شهدت المؤسسات البحثية والأكاديمية حول العالم في الآونة الأخيرة دراسات عديدة تناولت أنماط التعلم وتباين قدرات الطلبة في تلقي المعرفة، وطُبقت الكثير من الدراسات التي أسفرت نتائجها عن أهمية التعليم القائم على أنماط التعلم لدى الطلبة؛ متوافق معظمها مع الرؤى التي قدمها (هوارد جاردنر Howard Gardner) أحد أعظم مفكري علم النفس الحديث والذي شكل وعيًا جديدًا في التعلم حين قدم نظرية الذكاءات المتعددة أو الذكاءات البشرية في كتابه ”أطر العقل – Frames of Mind” عام 1981 رافضًا مبدأ الذكاء العام، مؤكدًا أن هناك ذكاءات متعددة لدى الأطفال كالذكاء اللغوي، والمنطقي، والمكاني، والجسمي، و الموسيقي، والاجتماعي، والطبيعي، وهذا ما نجده داخل بيئة الصف؛ فليس بالضرورة أن يمتلك الطفل كل هذه الذكاءات أو بعضها ليحقق تفوقا دراسيًا، بل أحيانا يعاني أطفالٌ من إعاقات تعلم ولكنهم عباقرة في الذكاء الرياضي أو المكاني أو البصري …..؛ فداخل الصف الدراسي طلابٌ متباينون في قدراتهم الفردية – تمايز الطلبة – .

وهكذا غيرت تلك النظرية المبادئ التربوية حول العالم وتشكلت المنظومة التعليمية من جديد مع بداية ثمانينات القرن العشرين، وقُدمت آلاف الدراسات التربوية تحت هذه المضامين وأصبحت أسس تلك النظرية اتجاهًا تربويًا حديثًا أنتج أحد أهم استراتيجيات ومداخل التعلم -التعليم المتمايز- والذي يعرف التعليم داخل الصف أنه أداءات تدريسية يقدمها المعلم بآليات متباينة قائمة على تنوع أنماط الطلبة وقدراتهم ومستوياتهم، والذي يقتضي أحيانًا وليس دائمًا تعديل بعض الممارسات والأدوات والوسائل المستخدمة لتلبية أنماط الطلبة المختلفة وتعليمهم بما تسمح به قدراتهم مبتدأ بما في بنيتهم المعرفية، وفق ستة أبعاد – حسب الأهمية – هي: التمايز في المحتوى، والإجراءات، والإدارة الصفية، والوسائل التعليمية، والمخرجات، والتقييم.

وبالرغم من جودة تلك التوجهات والتي أحدثت طفرات تربوية أعادت بناء نظم التعليم والتعلم؛ إلا أننا يجب أن نستوقف كثيرًا أمام تمايز الطلبة والتعليم المتمايز، خاصةً حين تتحول هذه التوجهات إلى أهداف استراتيجية داخل الصفوف الدراسية ويصبح كل ما يشغل المعلم تحقيق هذا التمايز وكل ما يشغل الإدارات متابعة ذلك دون النظر إلى مدى توافر القدرات التي تحقق هذا التمايز بجودة حقيقية، خاصة أن التطبيق يتطلب فصول دراسية مرنة ومتعددة للمستويات الدراسية المتباينة، وجدول دراسي متعدد ، وغرف دراسية متطورة ومرتكزة على تكنولوجيا قاعة الدرس، ومعلمين على درجات عالية من التدريب والتأهيل والوعي والإلمام بخصائص وقدرات المتعلم، وهذا في الواقع نادر ما يتوافر في عموم بيئات التعلم حول العالم، وكل ما يمكن أن يتوافر هو تنوع في بعض أساليب التقييم والأنشطة والممارسات المتواضعة داخل جدران الصف الدراسي نفسه ومع جموع الطلاب أنفسهم وفي الوقت نفسه، وهذا ليس تمايز وليست جودة تعليم وإنما أداء جودة ! والفروقات شاسعة.